"هروب الحضري قلل من فرحة المصريين بلقب كأس الأمم" .. ترددت تلك العبارة على لسان أكثر من مقدم برنامج ومشجع وصحفي ومسئول في الأيام الأولى لرحيل الحارس العملاق، والواقع أنها عبارة مثيرة للدهشة والعجب لأن رحيل الحضري قلل من فرحة جماهير الأهلي فقط باللقب، ولكنه أبداً لم يقلل من فرحة جماهير الأندية الأخرى به، بل لا نبالغ إذا قلنا إنه جددها وزادها، وذلك ببساطة لأن الأهلي ليس مصر ...
وفي مرحلة تخلص فيها الجميع من أثار الصدمة نسبياً، فوجئنا بدخول بعض المصطلحات الجديدة كالخيانة، ومعها بدأ البعض بالمطالبة بسحب الجنسية من الحارس، وبالطبع خرجت وسائل الاعلام لتتناول المطلب الذي نادى به أحد المحاميين المعروفين بالتأييد أو المعارضة، والسؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا يفعل سفر الحضري للاحتراف أمام أناس كصاحب العبارة المنكوبة، والهاربين بأموال البلد إلى الخارج ومن يستحق سحب الجنسية من خرج للاحتراف أم من أصاب المصريين بالهم والحزن والحسرة وأهدر أرواحهم واستباح أموال الملايين منهم ...
أزمة الحضري وطابور العيش
وبعدما وصلت الأزمة لذروتها، وجدنا بعض الساسة والأدباء يستعدون للتدخل في الحدث، ورأينا كلاً منهم يدلو بدلوه في الأزمة ويربطها بأشد أزمات الوطن تعقيداً، وشاهدنا ربطاً غريباً بين الطريقة التي سافر بها الحارس وسعيه وراء المال، وتصرفات بعض الشباب المصري الذين حاولوا السفر على جناح طائرة من أجل الهروب من ضيق الأحوال المعيشية في البلاد.
غير أن الواقع الذي غفل عنه هؤلاء هو أنه لا يجوز المقارنة بين من يحصل على الملايين سنوياً ويخرج من أجل زيادة عقاراته وأرصدته في البنوك ومن يشاهد الموت بأعينه يومياً واقفاً في طوابير من أجل الحصول على رغيف الخبز...
احترافية الأهلي "العاطفية"
|
| |
| عدلي القيعي مدير التسويق ينادي الاهلي المصري | | |
وبعد أسبوع واحد فقط من الرحيل المفاجيء للحارس العملاق، عاد هذا الأخير ليفاجيء الجميع بقرار عودته، لتنطلق الأقاويل من جديد عن تفسير أسباب العودة، كما انطلقت في السابق لتفسير أسباب الرحيل، وبعد عبارات اللوم والعتاب التي وجهت للاعب من قبل الجميع، بدأ المسئولون في الأهلي التفكير في عقوبة مناسبة، وبعد الاجتماعات والمناقشات قرر النادي ايقاف اللاعب 21 يوماً وتغريمه 250 الف جنيه، وخرج وقتها عدلي القيعي مدير الاستثمار والتسويق ليؤكد أن العقوبات اتخذت بشكل احترافي، قائلاً :" علينا أن نفرق بين اللوائح وكواليس إدارة اللوائح في الإتحاد الدولي (الفيفا) ..لا يوجد غموض في قراءة اللوائح، ولكن المشكلة كيف يتعامل (الفيفا) مع تلك اللوائح، ولذا فالقرار مناسب للظرف الحالي."
والواقع إن قرار الاهلي كان احترافياً في باطنه وعاطفياً في ظاهره، وليت الأمر انتهى عند إصدار عقوبة اللاعب وبعدها تعود الأمور إلى ما كانت عليه، ولكننا وجدنا معاملة جافة من الجهاز الفني للاعب ،فلم يقدم أي من أعضاء الجهاز الفني على التحدث معه خلال التدريبات، والأمر نفسه بالنسبة للاعبين والجماهير التي تفننت في سباب اللاعب بوالديه .. لقد أخطأ الأهلي جماهير وإدارة في التعامل مع الأزمة، عندما عجز عن إدراك أن الخطأ يقابله العقوبة وليس الاذلال .. ومن منا يرضى الاذلال حتى لو ارتكب أفدح الأخطاء؟
مأزق الأرجنتين
إذا طالب أحد المسؤولين قبل ساعة واحدة من رحيل الحضري إلى سويسرا، بعدم الدفع به أساسياً في تشكيلة المنتخب المصري خلال مباراة كبيرة أمام الأرجنتين بملعب استاد القاهرة فكان الجميع سيتهمه حتماً بالجنون، وإذا طالب أحد المشجعين بمنح محمد عبد المنصف حارس "الفراعنة" البديل الفرصة بدلاً من الحضري في تصفيات كأس العالم، كان سيصبح حديثه بلا شك محط سخرية الجميع ومثار ضحكهم حتى البكاء، ولكن ذلك ما حدث فعلاً قبل مباراة "التانجو" الودية الدولية بأيام، عندما وجدنا ضغوطاً هائلة تمارس على حسن شحاتة مدرب المنتخب المصري لعدم الدفع باللاعب، وأخذت روابط مشجعي الأهلي تهدد وتتوعد، بل وطالب الاعلام للمرة الاولى باشراك البدلاء ومنحهم الفرصة.
ووجد "المعلم" نفسه في مأزق كبير وحيرة شديدة بين تنفيذ تلك المطالب وبالتالي يتحول لمدرب ضعيف تملي عليه الجماهير ارادتها أو عدم التنفيذ فيصبح كبيراً ولكن مع الكثير من المتاعب .. وبالفعل فعل شحاتة البديل الثاني ولكن من دون متاعب بعدما رضى الجميع بالأمر الواقع، ذلك إن الخيار الأول يعني أن يرحل شحاتة، وتتولى الجماهير ادارة المنتخب بدلاً منه...
متى تكف جماهير الأهلي عن المبالغة ؟
|
| |
| أمير عبد الحميد محمولاً على الاعناق | | |
مشهد غريب تناقلته وسائل الاعلام عقب أول مباراة شارك بها أمير عبد الحميد حارس مرمى الأهلي بعد رحيل الحضري، وهو المشهد الذي تكرر أيضاً عندما أصيب أمير وحرس بدلاً منه الناشيء أحمد عادل عبد المنعم مرمى الفريق أمام الإسماعيلي ومن بعده بلدية المحلة .. فقد ظهر كل منهما محمولاً على الأعناق بعد المباراة، وذلك فقط لظهورهما بشكل جيد في المباراتين.
وكأن الجماهير الحمراء لم تتعلم بعد، وكأنها قررت ألا تكف عن المبالغة في تشجيع لاعبيها، اليست هي من ابتدعت ألفاظ كـ "السد العالي"، وهتافات كـ "ارقص يا حضري"، ووجدت في النهاية رد فعل منافي تماماً لما قدمته .. الم يكن حرياً بها أن تتعلم من أخطاء الماضي، وتفهم أن ما يقدمه الحضري وأمير وعبد المنعم وبركات وأبو تريكة ما هو الا شيء طبيعي يتناسب مع علاقة متوازنة تربطهم بالأهلي يقدمون فيها الجهد ويحصلون في المقابل على مبالغ طائلة تفوق في بعض الأحيان ما قدموه، ولهذا فان المبالغة غير مطلوبة وباتت أيضاً غير مجدية في عصر تحكمه فقط المادة ...
"الفيفا" ليست الاتحاد المصري
|
| |
| جوزيف بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم | | |
لم يكن قرار الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" بمنح الحضري بطاقة مؤقتة للعب لنادي سيون أمراً مستغرباً، بل كان منطقياً في ظل رغبة اللاعب التي أعلنها بشكل رسمي باللعب لنادي السويسري، وعلى الرغم من ذلك، فقد خرجت الجماهير لتؤكد أن "الفيفا" جامل سيون لأنه نادي سويسري.. والحقيقة أن الاتحاد الدولي متواجد بسويسرا ولكنه بطبيعة الحال ليس سويسري الجنسية، بل أن استضافة سويسرا له يعد شرفاً كبيراً لها، ولكنه في الوقت نفسه أمراً عادياً بالنسبة له، أما الأمر الذي غفل عنه الجمهور هو ان "الفيفا" ليست الاتحاد المصري لكرة القدم لكي يجامل جهة على حساب جهة أو نادي على حساب آخر...
عجائب وغرائب المصريين صاحبت أزمة الحضري في جميع مراحلها وستستمر إلى أن يرضى الجميع بالأمر الواقع ويسلم برحيل الحارس العملاق، وإلى أن يحين ذلك نرجو الله ألا يتم الترويج لاعتقادات أخرى غريبة كأن تكون مثلاً جهة مخابرتية في دولة معادية قد دفعت الأمور بهذا الاتجاه، أو أن تكون الحكومة قد اختلقت الأزمة من الأساس لإلهاء الشعب عن المشاكل الاقتصادية التي تواجه البلاد .. إن ذلك غير مستبعد بالمرة لأن الأزمة ليست عند الحضري أو سيون أو حتى "الفيفا"، بل لدينا نحن الذين تعودنا على تهويل أتفه المشكلات، وتحويل أصغر الأزمات إلى أعظمها وأكبرها فداحة.